الزواج في ليبيا ( موسم الهجرة إلى الديون! )
كانت حفلات الأعراس في الماضي أشبه بالقصص التي نقصها على أطفالنا قبل النوم؛ سبع ليالٍ وسبعة أيام من الفرح والرقص والبركة والسعادة الحقيقية، والمودة التي تملأ القلوب. كان أهالي العروسين يعيشون فرحة صادقة نابعة من القلب، والكل يشارك في الاحتفال دون استثناء، من القريب إلى الجار البعيد. لكن اليوم، مع الأسف، تغيّر الحال تمامًا!
أصبحت الأعراس أشبه بمهرجانات تتويج الملوك، حيث طغت الفخامة والمبالغة على المشهد. ديكور باهر، موسيقى صاخبة، وتكاليف ترهق العريس وتجعله يراجع حساباته مرارًا وتكرارًا، بينما العروس قد تكون في صراع مع اختيار الفستان المناسب أو المظهر الذي سيجعلها ملكة هذا المحفل، حفلات الأعراس في ليبيا لم تعد مجرد احتفال بزواج اثنين، بل تحولت إلى منافسة اجتماعية شرسة! الضيوف أنفسهم أصبحوا طرفًا في هذا الصراع دون أن يشعروا؛ الفساتين تُعرض وكأنها في مسابقة جمال عالمية، والتقييم يعتمد على السعر والأناقة. تجد الحضور في حالة مقارنة دائمة: من ارتدى الأفضل؟ من كان الأكثر فخامة؟ من تميّز عن البقية؟
أما العروس، فتُسرق منها لحظات الفرح الحقيقية وسط دوامة التفاصيل المرهقة، بينما العريس المسكين يبدو وكأنه مجرد ممثل ثانوي في مشهد كان من المفترض أن يدور حوله وحول شريكة حياته!
قبل بدء تجهيزات العرس، هناك مرحلة الخطوبة، أو كما يمكن تسميتها مفاوضات سد النهضة النسخة الليبية ! في الماضي، كانت زيارة أهل العريس لأهل العروس لطلب يدها عملية بسيطة ومباشرة؛ يتبادلون أطراف الحديث، يتفقون على الموعد، وينتهي الأمر بكل بساطة. أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا! تحولت جلسات الخطوبة إلى جلسات مفاوضات دولية معقدة، حيث تتم مناقشة كل شيء: عدد المدعوين، لون الزينة، نوع الحلوى، الطريقة التي ستُقدَّم بها.
ويبدو أن جوهر الزواج قد تلاشى، ليصبح الأمر وكأنه صفقة ضخمة بدلًا من كونه بداية حياة جديدة. أما العريس، فيجلس في الزاوية يراقب هذه النقاشات الحامية، وربما يتساءل: هل كل هذا من أجلي حقًا؟ بينما العروس على الجانب الآخر، منشغلة بالتفكير في فستانها، وهل سيجعلها تبدو كإحدى أميرات القصص الخيالية!
لا يمكن الحديث عن الأعراس اليوم دون التطرق إلى تكاليفها الهائلة والمرهقة. في الماضي، كان يكفي أن يجتمع الناس في مكان بسيط، يأكلون الطعام التقليدي، ويرقصون فرحًا. أما اليوم، فإن إقامة العرس يجب أن تكون على مستوى المجتمع المرموق، مما يدخل العريس في دوامة من النفقات الخيالية. الصالات الفاخرة، الزينة المُبهرة، الطعام الذي يبدو أنه قادم من مطابخ خمس نجوم، وحتى الشوكولاتة يجب أن تكون من نوع خاص جدًا!
كل هذا يضيف ضغطًا هائلًا على العريس، الذي قد يضطر للاقتراض أو بيع سيارته (إذا كان يملك واحدة من الأساس)، ليتمكن من تغطية التكاليف. وفي خضم هذا الترف والمظاهر، يُطرح سؤال بسيط: أين السعادة؟ هل لا يزال العروسان يعيشان لحظات الفرح الحقيقية؟ أم أن كل هذا مجرد محاولة لنيل لقب “أفضل عرس في العائلة”؟ للأسف، أصبح العرس في كثير من الأحيان استعراضًا أكثر منه احتفالًا، حيث تُحسب كل خطوة بعناية: الديكور، الموسيقى، الطعام، وحتى لون الزينة على الطاولات! وبينما تستمتع العائلتان بهذا الاستعراض، قد يكون العروسان نفسيهما في حالة من الإرهاق أو القلق.
السؤال الذي يطرحه الكثيرون اليوم: أين البركة؟ لماذا فقدت الأعراس ذلك الجو الدافئ البسيط الذي كان يجمع الجميع؟ الجواب قد لا يكون سهلًا، لكنه يرتبط مباشرة بالرغبة في الاستعراض واللحاق بالمظاهر الكاذبة والفخامة الزائفة. ربما يكون الحل هو أن نعود إلى جذورنا، إلى تلك الأعراس التي كانت مليئة بالحب، البساطة، والمودة الحقيقية. لأن الفرح لا يُقاس بعدد الضيوف أو مستوى الفخامة، بل بمدى سعادة العروسين نفسيهما.
في النهاية، هل العرس هو احتفال بالرباط المقدس بين الزوجين، أم استعراض اجتماعي مبالغ فيه؟ الأعراس الليبية ليست فقط انعكاسًا للمجتمع، بل مرآة تعكس طموحاته وتوتراته. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فقد نصل إلى مرحلة يصبح فيها الزواج عبئًا بدلًا من كونه فرحًا. لذا، لنتذكر أن العرس ليس عن الفخامة، بل عن الحب والمودة والرحمة. ليس عن الاستعراض، بل عن التفاهم وترابط شخصين لتأسيس أسرة سعيدة. لنعُد إلى البركة التي كانت تجعل من كل زفاف مناسبة حقيقية للفرح، بدلًا من أن يكون مناسبة للدَّيون والتوتر.