السياسي

أركنو أويل: تحالف في الظل بين الإخوة الأعداء.

أركنو أويل: تحالف في الظل بين الإخوة الأعداء.

أركنو أويل: تحالف في الظل بين الإخوة الأعداء.  

 

في مشهد السياسة الليبية المعقد، تبرز ظاهرة غريبة وجديرة بالدراسة والاهتمام، وهي ظاهرة التحالفات المزدوجة بين أبناء حفتر في الشرق وآل الدبيبة في الغرب عبر شركة نفط تدعى "أركنو"، حيث يتشاركون في الخفاء ويتصارعون في العلن. 

ففي مسرحية الواقع الليبي المأساوية، لا صوت يعلو فوق صوت البندقية والنفط، وفي المشهد الأخير، يبدو أن أقوى الممثلين على خشبة المسرح المنهكة المتهالكة، خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة، قد اكتشفا أن التعاون في الظل أكثر ربحا من القتال في العلن، ومسرحهم هذه المرة هو المصدر الوحيد لقوت هذا الشعب التعيس؛ النفط!

شركة أركنو أويل التي تأسست في بنغازي قبل عامين فقط، تحولت بسرعة مريبة إلى عملاق نفطي خاص يتحرك تحت حماية مزدوجة، حماية عسكرية من شرق البلاد، وأخرى سياسية وقانونية من غربها، فبينما تتشاجر العائلتان على السلطة في العلن، يجتمعان في السر على مائدة واحدة لاقتسام كعكة النفط الليبي عبر هذه الشركة. 

الغرابة لا تكمن في وجود شركة نفط خاصة – فالسوق عالم مفتوح – ولكن في السرعة الأسطورية التي حصلت بها على العقود، وفي الغموض الذي يلف شروط منحها هذه العقود، ومنحها حصة كبيرة من مبيعات النفط رغم عدم مشاركتها في الإنتاج بأي وسيلة، والأغرب من ذلك كله هو الإغلاق المفاجئ للتحقيق المالي الذي فتحه ديوان المحاسبة الليبي في مايو الماضي بحقها؛ من أغلق هذا الملف، ولماذا؟ 

ورغم التصريحات النارية التي أصدرتها الحكومة في الغرب، وقرارات فتح التحقيقات حول نشاط الشركة وإيراداتها، ورغم التقارير الدولية المتواترة حول النشاطات المشبوهة لأركنو، إلا أنها مستمرة وبقوة، فالمشروع النفطي (للإخوة الأعداء) محمي بدرع منيع، وحتى تحقيق ديوان المحاسبة لم يصمد طويلا في وجهه، وها هي أركنو اليوم لا تعمل فقط، بل تتوسع، وتوقع عقودا جديدة، وتدير شراكات مع عمالقة النفط في العالم، وتنظم مؤتمرات طاقة في بنغازي برعاية المؤسسة الوطنية للنفط ذاتها!

المفارقة تكمن في هذا الدعم الرسمي من المؤسسة الوطنية للنفط لشركة خاصة، بينما تتداعى وتنهار وتفلس مؤسسات الدولة التي من المفترض أن ترعى مصالح كل الليبيين، هذا الدعم يذكرنا باتفاقية تعيين فرحات بن قدارة على رأس المؤسسة سابقا، والتي كانت صفقة بين الشرق والغرب لضمان السيطرة المشتركة على تدفق الثروة. 

المواطن الليبي البسيط، الذي يعاني من انقطاع الكهرباء وانهيار الصحة والتعليم، يطلب منه أن يصدق أن هاتين العائلتين اللتين تتصارعان على السلطة وتتبادلان الاتهامات بالفساد، لا تعرفان شيئا عن شركة يجلس بعض حلفائهما في مجلس إدارتها في لندن، ويطلب منه أن يصدق أن من لا يستطيع الاتفاق على قانون انتخابات أو موعد استفتاء على الدستور، قد توافقوا بطريقة سحرية على منح امتيازات نفطية لطرف ثالث يفترض أن نصدق أنه نزيه ومستقل.

القصة أكبر من أن تكون شركة نفطية تنتج النفط أو تبيعه، إنها نموذج متقدم لفساد النظام، حرب بالوكالة على السطح، وشراكة مربحة في الكواليس وتحت الأرض، فعلى خشبة المسرح التراجيدي؛ الشعب يذبح وينكل به وما هو إلا كومبارس في مسرحيته الخاصة، ووراء الستارة يتقاسم أبطال العرض عائدات التذاكر. 

لقد حولوا الدولة إلى ساحة غنائم، وحولوا النفط إلى ورقة مقامرة شخصية، فبدلا من أن يكون عصب الحياة لبناء مدارس ومستشفيات وطرق، أصبح وسيلة لتمويل الميليشيات وتعزيز النفوذ وتمويل الصفقات المشبوهة. 

 

في النهاية، نظل نسأل نفس السؤال الأزلي؛ من يحاسب من؟ من يحاسب الفاسدين؟ من يحاسب أولئك الذين يجيرون ثروة البلاد لمصالحهم الشخصية تحت غطاء النزاع السياسي؟ الواضح أن المحاسبة لن تأتي من الداخل، فالأيادي التي يجب أن تحاسب شريكة في كل ما يجري، والمواطن مستقطب إلى أحد أطراف النزاع، يختزل الوطن في شخصه، ويبرر له سرقاته ويدافع عنها، ويتهم خصومه بالخيانة والفساد، وهو مع اجتهاده في الدفاع عن أحد الشركاء في أركنو؛ مازال ينتظر الكهرباء والعلاج والتعليم، وينظر إلى سماء مليئة بدخان النفط الذي يبيعونه باسمه، ولكن من دونه، هذه هي الحقيقة المرة التي يرفض هذا التعيس أن يراها؛ لصوص يتشاجرون على توزيع الغنائم، وهو يحصد الويلات.