السياسي

خريطة تيتيه وزواج المصلحة : من يقطع الطريق على الآخر؟

خريطة تيتيه وزواج المصلحة : من يقطع الطريق على الآخر؟

خريطة تيتيه وزواج المصلحة : من يقطع الطريق على الآخر؟

 

تحاول بعثة الأمم المتحدة جاهدة هذه الأيام أن تعيد إلى الواجهة مشروعها الذي تقوده في ليبيا، حيث تنشط رئيسة البعثة هانا تيتيه للتسويق لخريطة الطريق التي تأمل من خلالها أن تنجح في إحياء مسار سياسي أشبه بجثة هامدة، الخريطة التي أعلنت في أغسطس الماضي تسير بخطى بطيئة ومتعثرة، بينما تتحرك العائلتان الحاكمتان في ليبيا –شرق وغربا- بخطى ثابتة نحو التمسك بالسلطة وتأبيد الأزمة. 

تسعى تيتيه بجهد واضح خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إلى حشد دعم دولي لخطتها، تلتقي بمسؤولين كبارا، وتشرح لهم أن تشكيل الحكومة الجديدة ليس البداية، بل تتقدمه خطوات أخرى كإعادة تشكيل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وعقد حوار مهيكل يشارك فيه كل أطراف الأزمة إضافة إلى مختلف أطياف المجتمع، لكن يبدو أن جهودها تصطدم بحقيقة مرة؛ وهي أن لا أحد من اللاعبين الأساسيين على الأرض يريد لهذه الخطة أن تنجح. 

في الخفاء، يتسارع تقارب غير مسبوق بين العائلتين الحاكمتين في الشرق والغرب، تقارب يشبه زواج المصلحة بين طرفين لا يطيق أحدهما الآخر، ولكن كل طرف يعلم أن بقاءه مرهون ببقاء الآخر، ولو لفترة، حتى لو كان الزواج قائما على الشك وعدم الثقة، فهم يتشاركون في السر والعلن لإفشال خريطة الطريق الأممية، بينما يحاول كل منهما في السر والعلن أيضا إقصاء الآخر والانفراد بالحكم.

المشهد الدولي لم يعد كما كان، فحفتر الذي كان يعتمد على حلفاء تقليديين مثل الإمارات ومصر وروسيا، أصبح اليوم يطرق أبوابا جديدة، فقد أدرك أن لعبة البقاء تتطلب توسيع دائرة التحالفات، وها هي اليونان وإيطاليا، إلى جانب تركيا، تتسابق نحو التطبيع معه بشكل غير مسبوق، وتركيا تحديدا تقترب منه بخطوات واسعة، فتستقبل أبناءه وترسل له الوفود وكبار المسؤولين، وتوقع العقود والاتفاقيات في المجالات المدنية وحتى العسكرية، وفي نفس الوقت تحاول أن تدفع نحو تفاوض مباشر بين الوكيلين الشرعيين للعائلتين الحاكمتين؛ صدام حفتر من جهة، وإبراهيم الدبيبة من جهة أخرى.

لكن هذا المسار التركي يكاد يكون محكوما بالفشل مسبقا، فتحويل العلاقة غير المعلنة بين العائلتين إلى صيغة رسمية أمر أشبه بالمستحيل، خاصة مع حالة الشك المصاحبة لكل منهما في نوايا عدوه وشريكه، وتركيا تعلم هذا، وهي لا تسير في هذا الطريق حبا بالدبيبة، بل لأنه الخيار الوحيد المتاح في واقع أصبح حفتر فيه اللاعب الأقوى والأكثر انضباطا وتنظيما بين الطرفين، وهو ما قد يغريه بمغامرة عسكرية جديدة، قد تجد تركيا نفسها فيها في موقف لا تحسد عليها، فلا المهاجم يستحق أن يدعم، ولا المدافع يستحق الدفاع عنه. 

كما يبرز اجتماع روما بين إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر، الذي دعم بمبادرة أمريكية، كأكبر دليل على التحول الدولي، وإيطاليا نفسها التي احتضنت هذه الاجتماع، والتي كانت حذرة في الماضي من الارتباط بسلطات الشرق، أصبحت أكثر انفتاحا على حفتر وعائلته.

اليوم، يقوي حفتر موقفه باستمرار، ويظهر كرجل قوي يحكم السيطرة على مناطق نفوذه، بينما لا يمتلك الدبيبة هذه الميزة، فقد كان سابقا يحكم غرب البلاد بأسره، أم اليوم فهو لا يحكم حتى كل العاصمة، واهتزاز موقفه الأمني يضعف موقفه السياسي، بينما يحصل حفتر على مزيد من الاعترافات التي لم يكن يحلم بها حتى قبل سنوات قليلة جدا. 

هذه المعطيات تضعف زواج المصلحة، فأحد الطرفين على الأقل قد لا يجد نفسه مضطرا إليه مع اعتقاده بقدرته على الانفراد بالسلطة اعتمادا على قوته العسكرية، وعلى حلفائه السابقين، وحلفائه الجدد الذين يسعى لسحبهم من معسكر خصمه.

إذا فما مستقبل خريطة تيتيه في ظل هذا المشهد المعقد؟ الصورة قاتمة، والخيارات المطروحة مثل حكومة وحدة يتفق عليها أطراف الأزمة الرئيسيون، أو التوافق على شخصية محايدة تقبل بها جميع الأطراف وتقود حكومة الخريطة، تبدو حلولا هشة وغير قابلة للتطبيق في مواجهة تحالف المصالح بين خصمين لا يتفقان إلا على تقاسم الثروة أو على إفشال أي مسار يهدد بقاءهما. 

السؤال الأكبر: هل تمتلك تيتيه والدول الداعمة لخطتها الإرادة لقطع الطريق على هذه اللعبة؟ أم أن زواج المصلحة، رغم هشاشته، سينجح مرة أخرى في تحويل ليبيا إلى ساحة صراع لا تنتهي، حيث يكون الشعب هو الخاسر الوحيد؟

 

الواقع يقول إن التاريخ يعيد نفسه، والناس يعيدون ارتكاب نفس الأخطاء ويأملون في كل مرة حصاد نتائج مختلفة، ونحن بدورنا نتساءل؛ هل هذه هي الحلقة الجديدة من مسلسل "مش قلنالكم"؟ فكل المؤشرات تنذر بأن الخريطة الجديدة ستلقى مصير سابقاتها، أحضان وقبلات ونوايا حسنة ودموع الفرح على منصة الصخيرات وحبر على ورق.