السياسي

الخيار الأخير! نصف حرب ونصف كرامة .

الخيار الأخير! نصف حرب ونصف كرامة .

الخيار الأخير! نصف حرب ونصف كرامة .

 

المعتمد إبن عُباد كان آخر ملوك بني عباد في إشبيلية، عُرف بالترف والشعر، وحين سقطت طليطلة بيد القشتاليين استنجد بالمرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين، الذين انتصروا معه في معركة الزلاقة سنة 1086م. وعندما حذّره البعض من الاستعانة بالمرابطين خوفًا من أن يُزيحوه عن ملكه، قال مقولته الشهيرة: "رعي الجمال عند يوسف بن تاشفين خيرُ لي من رعي الخنازير عند ألفونسو."  لكن سرعان ما رأى المرابطون ضعف ملوك الطوائف وغرقهم في الفساد، فأسقطوهم واحدًا تلو الآخر، حتى حاصروا إشبيلية سنة 1091م، فانهار حكم المعتمد، واقتيد إلى منفاه في أغمات بالمغرب، حيث عاش فقيرًا ذليلًا بعد أن كان ملكًا مترفًا واسع النفوذ.

وحتى لا تتوه عزيزي القارئ، من المهم  تنبيهك أن هذا الإسقاط ليس للتشبيه بل لحالة التقاطع التي حدثت بين ابن عُباد وبين عبد الحميد الدبيبة، فتريث معي حتى نهاية النص.

فلا حديث اليوم في الشارع الليبي يسبق حديث إحاطة المبعوثة الأممية تيتيه ومخرجاتها، المتعلقة تحديدًا بإعلانها أنها عازمة على وضع خارطة طريق تتضمن تشكيل حكومة جديدة تُنهي بها حالة الانقسام في السلطة التنفيذية، وتُشرف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة حسب قولها.

وما إن انتهت إحاطة المبعوثة الأممية حتى انطلقت تساؤلات الليبيين حول كيفية إخراج الحكومة في طرابلس ؟ ، خاصة وأن الأخيرة نشرت بيانًا على منصاتها الرسمية عبّرت فيه عن تمسكها بنفس خطابها السابق، وهو )أن حكومة عودة الحياة تدفع في اتجاه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية لإنهاء ما وصفته بالمراحل الانتقالية(، وهو إعلان يراه البعض مؤشرًا على نية الحكومة عدم تسليم السلطة لحكومة جديدة تأتي من خلال المسار الدولي، رغم أنها هي ذاتها جاءت من الباب نفسه وبالآلية ذاتها المقترحة الآن.

لكن دعك من أحلام العصاري الآن، ولنبحث ونمحص خيارات الحكومة في طرابلس لتغيير هذا المسار، وكيف يمكن أن تمرر رؤيتها التي عبّرت عنها في بيانها الأخير؟

يرى الكثيرون أن عبد الحميد الدبيبة لن يسلم السلطة بشكل هادئ، وأنه سيتمسك بها حتى آخر نفس، وبالتالي يعتبرون أن المدة الزمنية التي وضعتها البعثة، والتي فُهمت من سطور الإحاطة أنها تمتد لشهرين، ليست في صالح حكومة عودة الحياة إذا قررت القيام بأي تحرك سياسي أو عسكري.

أما التحرك العسكري فيراه البعض الخيار الوحيد، حيث لو قرر الدبيبة خلط الأوراق ووضع نفسه مجددًا على طاولة المفاوضات، فعليه أن يسيطر على العاصمة بالكامل عسكريًا، وهذا لن يتأتى له إلا بإنهاء قوة الردع الخاصة، التي جرب مواجهتها منذ ثلاثة أشهر وفشل. وهي اليوم ممتنعة عنه في منطقة سوق الجمعة وتحظى بشعبية كبيرة سواء في سوق الجمعة أو في طرابلس بشكل عام، في ظل تراجع شعبية الدبيبة في الشارع الطرابلسي.

كما أن فتح حرب في شوارع طرابلس ليس بالأمر الهيّن، خاصة وأن تيتيه نبّهت حكومة الدبيبة والردع من مغبة استئناف الصراع المسلح من جديد، وهي هنا ساوت بينهما كطرفي نزاع، وكأنها بذلك ترفض سردية الحكومة التي تقول إنها تريد احتكار القوة والسلاح لدى وزارتي الدفاع والداخلية. ومن جهة أخرى، فإن فتح حرب ضد قوة الردع الآن سيحتاج وقتًا طويلًا نسبيًا، وهو ما يعرفه الدبيبة وحكومته بأن المجتمع الدولي لن يسمح به. فضلًا عن أن الإقدام على خطوة حرب خاطفة يحتاج مقومات يبدو أن الحكومة لا تملكها.

إلى جانب ذلك، يرى البعض أن هناك تشكيلات مسلحة سترفض المشاركة في حرب ضد قوة الردع الآن، خاصة بعد إعلان البعثة عن خارطتها وتيقّن الجميع أن هناك حكومة جديدة تُجهّز دوليًا. لذلك، فإن قوة مثل لواء 111 بقيادة الزوبي ولواء 444 بقيادة محمود حمزة لن تنخرط في هكذا حرب، في الوقت الذي تستطيع فيه الحفاظ على مواقعها ونفوذها العسكري والاستعداد للتماهي مع الحكومة الجديدة، فقد فعلوا ذلك سابقًا وسيفعلونه مجددًا.

أما القوتان اللتان قد تخوضان حربًا ضد قوة الردع إن قررت الحكومة ذلك، فهما جهاز الأمن العام والقوة المشتركة، حيث إن هاتين القوتين مرتبطتان بالحكومة ارتباطًا بنيويًا. ويرى الكثيرون أنه بانتهاء حكومة الدبيبة  لن يوجد لهما مستقبل عسكري داخل نطاق طرابلس الكبرى. كما أن العديد من المتابعين يرون أن هذه القوة لا قِبَل لها اليوم بقوة الردع التي تتمتع بكامل جاهزيتها العسكرية والتفاف حاضنتها عليها.

ومع ضيق الخيارات أمام الدبيبة لتغيير قواعد اللعبة وفرض نفسه من جديد، يرى البعض أنه قد يشرع في القيام بـ "نصف حرب"، حيث يمكن أن ينشر قواته على كامل وسط العاصمة ويحاول محاصرة قوة الردع في نطاق بلدية سوق الجمعة، ثم يسعى للتفاوض من جديد. فهذه الخطوة قد تمنحه مساحة مناورة ربما تؤدي إلى تغيير جزئي في موازين القوى في العاصمة، حيث القوة والسيطرة على الأرض هما وحدهما ما يجعلانك طرفًا سياسيًا في ليبيا ؟؟

ومع بقاء كل السيناريوهات مفتوحة، تبقى الحالة الوحيدة التي سيلجأ إليها الدبيبة هذه المرة هي طلب المساعدة. وهذه المرة، لن يكون الثمن مالًا فقط كما يرى منتقدوه، بل مشاركة كاملة في كل شيء. وهذا ما يقودنا إلى الإسقاط الذي بدأنا به مقالنا عن ابن عباد.

حيث فقد ابن عُباد هيبته وكرامته مرتين:

الأولى وهو ملك: عندما اضطر إلى طلب العون من يوسف بن تاشفين رغم فخره واستقلاله، وحتى مقولته المشهورة كانت اعترافًا مبكرًا بأن الكرامة بدأت تُكسر.

والثانية بعد سقوطه: حين نُفي إلى أغمات، فتحول من سلطان مهيب يجلس على عرش إشبيلية إلى رجل فقير مقيد في سجن، يكتب الشعر عن غربته وحسرته.

أي أنه خسر مجده مرتين: مرة بالاستعانة، ومرة بالخذلان والسقوط.

 

فانتظروا، إني معكم من المنتظرين!!