السياسي

كيف ضاعت ليبيا بين قادتها؟ (مسرحية هزلية)

 كيف ضاعت ليبيا بين قادتها؟  (مسرحية هزلية)

 كيف ضاعت ليبيا بين قادتها؟  (مسرحية هزلية) 

تحليل المشهد السياسي الليبي في الآونة الأخيرة أصبح أكثر تعقيداً، بما يشمل تحركات عقيلة صالح، وخالد المشري، وعبد الحميد الدبيبة، وخليفة حفتر، يكشف عن عمق الأزمة السياسية التي يعيشها البلاد. هذه التحركات، التي وصفها البعض بأنها (مسرحيات هزلية)، تبرز كمحاولات يائسة لاستقطاب المجتمع الدولي وإظهار نوايا تصالحية شكلية، في ظل الإخفاقات المتكررة لهذه الأطراف في التوصل إلى حل حقيقي للأزمة أو تشكيل حكومة موحدة. عقيلة صالح وخالد المشري، من جهة، يتبادلان الأدوار في عرقلة أي جهود توافقية. منذ سنوات، أظهر كلاهما قدرة غير مسبوقة على المناورة السياسية لتعطيل أي مبادرة تهدف إلى تحقيق الاستقرار، وهو ما جعل الأزمة الليبية واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً في المنطقة. بدلاً من التركيز على المصلحة الوطنية الغائبة عنهما، انشغل الاثنان ببناء شبكات ولاء شخصية وتأمين مصالحهما السياسية، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل البلاد.

في كل مرة يتم فيها التوصل إلى اتفاق أو إطلاق مبادرة سياسية، تتكشف مناوراتهما وتكتيكاتهما لإفشالها في محاولة للحفاظ على مكاسبهما الضيقة. ومع ذلك، يبدو أن المشري في الفترة الأخيرة أصبح أكثر ضعفاً، ولم يعد يملك كل أوراق المنطقة الغربية، خاصة مع تخلي حليفه التركي عنه. تركيا، بدورها، باتت تركز على مصالحها في المنطقة الشرقية وشراكتها مع القوى المسيطرة هناك. 

لعب عبد الحميد الدبيبة دوراً محورياً في تعقيد الأزمة، مستغلاً حالة الانقسام السياسي لترسيخ نفسه كرقم صعب في المشهد. جاء الدبيبة على رأس حكومة مؤقتة كان يفترض أن تقود البلاد إلى الانتخابات، إلا أنه استطاع أن يمدد لنفسه في السلطة بفضل استغلاله للفراغ المؤسساتي والموارد الاقتصادية للدولة. تمكن من بناء قاعدة نفوذ قوية، مستغلاً وضع المواطن الاقتصادي المنهار، وتحركاته الأخيرة تُظهر دهاءً سياسياً واضحاً حيث يقدم نفسه للمجتمع الدولي كخيار واقعي للاستقرار. عمل على إقامة المهرجانات والمنتديات لاستقطاب أكبر قدر ممكن من التأييد، وسعى إلى إضعاف أي جهد يكون في اتجاه تكوين حكومة جديدة، حتى وإن كان ذلك على حساب مشروع بناء الدولة الليبية الموحدة. 

يعد خليفة حفتر شخصية محورية ومثيرة للجدل في المشهد الليبي، حيث يعتمد على عدة عوامل لتعزيز نفوذه. تمكن من فرض هيمنته على مساحات شاسعة من الأراضي الليبية، خاصة المناطق الغنية بالنفط والغاز، التي تمثل ورقة ضغط قوية يستخدمها للتفاوض مع القوى الدولية. يستمد قوته من تحالفاته مع بعض القبائل ذات الدور التاريخي والمجتمعي المؤثر، مما يمنحه قاعدة اجتماعية وسياسية تمكنه من الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية. إلى جانب النفط والغاز، تلعب مناجم الذهب دوراً استراتيجياً في تمويل عملياته، مما يعزز قدرته على المناورة الاقتصادية والسياسية. حفتر يظهر نفسه كخيار وحيد للاستقرار، خصوصاً أمام القوى الدولية التي تبحث عن حل يضمن استمرار تدفق النفط والغاز من ليبيا مع حماية مصالحها الاستراتيجية. ومع ذلك، يبقى السؤال إلى أي مدى يمكن لحفتر الاستمرار؟ في هذا الدور وسط تعقيدات الساحة الليبية ووجود قوى معارضة داخلية وخارجية تسعى لإحداث تغيير في المشهد العام. 

التفاعل بين الأطراف الأربعة يعكس تنافساً حاداً على السلطة والنفوذ، حيث يسعى كل طرف إلى استغلال الصراع لتحقيق أهدافه الشخصية أو الحفاظ على مكانته في المشهد السياسي الليبي. عقيلة صالح وخالد المشري يعملان جاهدين على تقويض شرعية الدبيبة، الذي حصل على الثقة من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة. في هذا السياق، يسعى صالح والمشري إلى سحب الثقة من حكومة الدبيبة من خلال المناورات السياسية والعسكرية، وفي بعض الأحيان يتعاونان مع حفتر لتقويض تحركاته وتعزيز موقفهم في المعركة على السلطة. هذا التحالف بين عقيلة، والمشري، وحفتر لا يرتكز على رؤية استراتيجية واضحة، بل هو تحالف مرحلي ينقض على السلطة عند أول فرصة. من جهة أخرى، يُظهر الدبيبة قدرة على المناورة والنجاة من هذه الضغوط، حيث يعزز من موقفه مستفيداً من الانقسامات بين خصومه. يدير الدبيبة هذه التفاعلات السياسية والعسكرية بمهارة، مستغلاً تحالفات مؤقتة مع القوى المسلحة والمجموعات المتنفذة. يعرف أن السيطرة على الأرض تتيح له التفوق في المعركة السياسية، لذا فهو يستثمر في تشكيلاته المسلحة التي يسيطر عليها بفضل إدارته لأموال الحكومة، مما يعزز من موقفه أمام القوى الغربية التي تميل إلى التعامل مع من يملك السيطرة الفعلية على الأرض.

مع دخول خليفة حفتر في المعادلة، يزداد التوتر على الساحة الليبية. يمثل حفتر قوة عسكرية لا يستهان بها، ويسعى بدوره إلى تعزيز نفوذه السياسي والعسكري في الشرق الليبي. تحالفه مع عقيلة صالح والمشري يعكس استمرار سياسة تقويض شرعية حكومة الدبيبة، من خلال تعزيز نفوذهم العسكري والسياسي في مختلف المناطق. حفتر، رغم تحالفاته المؤقتة مع الأطراف الأخرى، يبقى محركاً رئيسياً في الصراع، ويعتمد على قوته العسكرية لتحقيق أهدافه السياسية. 

على الصعيد الداخلي، يعيش المواطن الليبي حالة من الإحباط المتزايد بسبب استمرار الجمود السياسي وتدهور الخدمات الأساسية والانهيار الاقتصادي. هذه الحالة لا تعكس فقط انفصال النخب السياسية عن معاناة الشعب، بل تؤكد أيضاً أن الأولويات الحقيقية لهذه الأطراف لا تمت بصلة لاحتياجات المواطن اليومية الأساسية. استمرار هذا الوضع يهدد بتصاعد الغضب الشعبي، الذي قد ينفجر في أي لحظة ليغير معادلة السلطة، وإن كان ذلك يحمل مخاطر جديدة على استقرار البلاد وأمنها المفقود.

المشهد السياسي الليبي الحالي هو انعكاس واضح لأزمة قيادة ومؤسسات، حيث تتحكم المصالح الشخصية والإقليمية في مسار البلاد. استمرار وجود عقيلة صالح، وخالد المشري، وعبد الحميد الدبيبة على رأس هذه المعادلة السياسية يعزز من حالة الانقسام، ويجعل أي أفق لحل الأزمة أكثر تعقيداً. هذا المشهد يضع ليبيا أمام خيارات صعبة: استمرار حالة الجمود والتصعيد الداخلي الذي قد يفضي إلى موجة جديدة من العنف، أو تدخل دولي أكثر حسماً لفرض حلول توافقية. ما يحدث اليوم في ليبيا ليس مجرد صراع سياسي على تشكيل حكومة، بل هو انعكاس لفشل النخب السياسية في تجاوز مصالحها الضيقة والعمل من أجل مصلحة الوطن، (مسرحيات عقيلة صالح وخالد المشري وخليفة حفتر)، إلى جانب تحركات الدبيبة، ليست سوى فصول متكررة في مسلسل طويل من الأزمات التي تعمق فجوة الثقة بين المواطن وقياداته. ما لم يحدث تغيير جذري في النهج السياسي، ستظل ليبيا عالقة في دائرة مفرغة من الفوضى والجمود السياسي المستمر.