لن تخرج إلا بثمن؟
تاريخيًا، لا تُبدي السلطة الحاكمة كثيرًا من الاكتراث لطريقة خروجها من الحكم، إذ إنها - في جميع الأحوال - تتمسك به حتى آخر نفس فيها. هكذا يسرد لنا التاريخ القريب والبعيد طُرق خروج السُّلَط الحاكمة في أرضنا، حيث تترك من بعدها أحجارًا متراكمة ودماءً سائلة. فلماذا يمكن أن تكون حكومة “عودة الحياة” استثناءً؟
خاصة أنها استطاعت أن تُظهر قدرًا كبيرًا من المرونة في تجاوز كل التحديات التي كادت أن تعصف بها. ونحن هنا لا نتناول مسألة خروج الحكومة من السلطة في إطارها الطبيعي والمنطقي، لأننا لو تناولنا هذا الأمر بذلك المنطق، لكان عمر الحكومة قد انتهى منذ أربع سنوات، سواء لعجزها عن تنفيذ المهام الأساسية التي أُختيرت على أساسها – وهي توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات – أو لانقضاء المدة الزمنية التي كان من المفترض ألا تتجاوز السنتين.
لكن، لأننا نعرف ليبيا وكيف تُحب أن تُدار، فإننا نذهب إلى السيناريو المتوقع: الحرب. وما يجعلنا نضع هذا السيناريو على الطاولة هو تاريخ كل الحكومات التي مرّت على ليبيا خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، أو لنقل خلال الخمسين سنة الماضية؛ فحكومة البغدادي المحمودي هي أيضًا خرجت بالحرب.
فدعونا نحاول أن نتوقّع شكل هذه الحرب.
في الوقت الذي يتوقع فيه الكثيرون أن الجنرال حفتر يتخير الوقت المناسب للهجوم على الغرب الليبي، سعيًا لتحقيق حلمه بالسيطرة العسكرية على ليبيا بالكامل – خاصة في ظل التقارب التركي-الحفتري مؤخرًا – يرى أصحاب هذا الطرح أن هذا التقارب يهدف إلى تحييد الأتراك عن أي تدخل عسكري محتمل إذا ما قرر حفتر شن هجوم جديد على طرابلس، ومحاولة إغراقهم في مصالح اقتصادية كبيرة مع معسكر الشرق، في مسعى لربطهم بمصالح أعمق وأكثر استدامة.
في المقابل، يرى آخرون أن هذا السيناريو بعيد الاحتمال، خاصة وأن استثمار الأتراك في الغرب الليبي يُعد استراتيجيًا، ولا توجد مصلحة مباشرة تجعلهم يسمحون لحفتر بالسيطرة الكاملة على ليبيا. فالوضع الراهن يبدو أكثر فائدة لهم، حيث إن شرق ليبيا وغربها يحجون إلى تركيا شهريًا طلبًا للرضا، ومصالحهم تسير بانتظام في الجهتين. فلماذا يراهنون على خيار قد يفقدهم هذه المكاسب؟
بالتالي، يرى بعض المحللين أن الحرب التي قد تُنهي الحكومة لن تأتي من الشرق، بل من المنطقة الغربية، وهو السيناريو الأقرب في نظرهم. فإن صحّ هذا الاحتمال، فكيف سيكون شكل هذه الحرب؟
بعد تقرير مصرف ليبيا المركزي، شهدت أذهان الليبيين صدمة كبيرة، خاصة من لا يزال يرى في حكومة “عودة الحياة” خيارًا للاستقرار. فقد ارتفع سعر الدولار في السوق الموازية، وارتفعت الأسعار في كل شيء، فيما بات شبح رفع الدعم نهائيًا أقرب من أي وقت مضى. هذا التدهور الناتج عن العجز في الميزانية الذي تمر به ليبيا قد يعجّل بخروج الصراعات الكامنة – منذ أكثر من سنة – إلى العلن بين داعمي الحكومة ومعارضيها. ومن الواضح للعيان حجم التوتر الحاصل بين التشكيلات المسلحة في الغرب الليبي، ومحاولات الحكومة أن تُظهر نفسها كقوة قادرة على الردع عسكريًا. وقد اتضح ذلك من خلال العرض العسكري الذي نفذته القوة المشتركة بمصراته، بتحريك آلياتها باتجاه العاصمة في استعراض واضح للقوة. هذه القوة التي تعتمد عليها الحكومة بشكل كبير في حمايتها من أي تهديد عسكري.
يرى البعض أن هذه القوة تسعى إلى إرسال رسالة واضحة لكل التشكيلات المسلحة في طرابلس بأنها لن تسمح بأي تحرك ضد الحكومة، وقد تنجح في ذلك مؤقتًا إلى حين بروز بديل واضح. فغياب سردية متماسكة حول من سيخلف حكومة “عودة الحياة” يُؤجّل أي صدام عسكري داخل العاصمة. ويرى أصحاب هذا الطرح أنه بمجرد طرح مقترح جاد لحكومة جديدة، ستُقرع طبول الحرب فعليًا.
وستنحاز التشكيلات المسلحة في طرابلس للحكومة التي تملك التأييد الدولي، كما أثبتت التجارب السابقة، من السراج مرورًا بالدبيبة وصولًا لمن بعده. وذلك في ظل غياب كامل لأي دور حقيقي للكتل السكانية التي تقطن الرقعة الجغرافية المسماة طرابلس، حيث إنهم – للأسف – أصحاب الشأن، وهم في الوقت ذاته جزء من المشكلة.
بالتالي، تبقى سردية خروج الحكومة من معادلة السلطة مرتبطة بالتحركات الدولية ذات الصلة بليبيا. تحركات يرى الكثيرون أنها أصبحت أكثر وضوحًا وكثافة من أي وقت مضى، في ظل فقدان المجتمع الدولي ثقته في قدرة حكومة الدبيبة على إدارة حالة الصراع في ليبيا بطريقة تفضي إلى الاستقرار، وهو ما يجعل قرار إخراجها من المشهد أقرب من أي مرحلة سابقة.
وحتى يحدث ذلك، عزيزي المواطن، حاول أن تبقى بعيدًا عن الساحات العامة، وعن طريق السكة وطريق الشط. املأ صدرك بالصبر، والتزم الحياد، واكتب على صفحتك في الفيسبوك: “حسبي الله ونِعم الوكيل”، ثم… حاول أن تنام؟