السياسي

هكذا يُقتل حُلم الدولة!

هكذا يُقتل حُلم الدولة!

هكذا يُقتل حُلم الدولة!

 

من أكثر الشعارات التي نادى بها الليبيون في مختلف أرجاء البلاد، هو تأسيس مؤسسة عسكرية وطنية. هذه المؤسسة التي لم تعرف يومًا وضعًا طبيعيًا منذ انقلاب 1969 بقيادة معمر القذافي، حيث كانت آنذاك في طور التأسيس، لكنها تلقت ضربة قاصمة بإقحامها في حرب السنوات الست مع تشاد. انتهت الحرب، وانتهت معها النواة الحقيقية لتأسيس جيش يحمي الوطن والعِرض.

من بعدها، بدأت بدعة “الكتائب الأمنية” التي كانت تدين بالولاء لأشخاص وأنظمة، وتُتهم بأن انتماءها لليبيا مجرد وهم، حتى وصلنا إلى الحالة الراهنة: تشكيلات مسلحة على امتداد الأراضي الليبية، ترتدي زيًا عسكريًا وتدّعي الانتماء للوطن، لكن واقع الحال يُظهر أنها تتبع أفرادًا وعائلات، ومستعدة لقتلك فقط لأنك تخيلت في نفسك أنك تعترض على لون زيّ قائدهم!

لكن، دعنا من هذا التكرار؛ فهذا الكلام أصبح من نافلة القول لأي ليبي. فلنتخيل، إذًا، أنهم اتحدوا فعلاً في كيان عسكري واحد. كيف سيكون المشهد؟

ما يجعلنا نتخيل هذا السيناريو هو ما يُطرح حاليًا من أفكار تتحدث عن توحيد القوات العسكرية في القُطر الليبي، وتحديدًا تلك التي تتمسك بجزء من الانضباط وتحاول أن تميز نفسها عن غيرها. ويقول هذا الطرح إن محمود حمزة، وشخصيات عسكرية من مصراتة، وصدام خليفة حفتر، قد يشكلون مجلسًا عسكريًا بهدف توحيد قواتهم. وبحسب ما يتصورونه، فإن المؤسسة العسكرية ستتوحد، لكن لا قيمة حقيقية لهذا الاتحاد إلا إذا ترتب عليه تسلُّم الحكم في ليبيا.

وقد يجد هذا الطرح أرضية خصبة في الواقع الحالي؛ فكل الليبيين سئموا حالة الانهيار الأمني والانقسام المستمر. كما أن هذا الطرح ينسجم مع قناعات شريحة من المواطنين المؤمنين بالمقولة الشهيرة: “ما يمشوش إلا بالعصا”، وبالتالي، فإن طرحًا من هذا النوع قد يحظى بدعم – ولو شكلي – من قوى دولية عديدة باتت ترى أن ليبيا لا تستقر إلا بهذه الطريقة، بعد فشل جميع المحاولات السابقة.

في ذات الوقت، هناك أصوات بدأت ترتفع لتفسر دعوة الولايات المتحدة الأمريكية للدبيبة وحماد إلى واشنطن. ورغم أن هذه الدعوة ما تزال في إطار الحديث غير الرسمي، فإن مؤشرات عديدة تدفع نحو تبني هذه السردية، خاصة وأن محافظ مصرف ليبيا المركزي هو من دعا لهذا الاجتماع، وأشار إلى أن حماد وافق على لقاء الدبيبة. كما أن العديد من الأطراف الليبية تتبنى رواية مفادها أن “ناجي عيسى”، محافظ المصرف المركزي، يتحرك وفقًا لخطط البنك الفيدرالي الأمريكي، ويحظى بدعم أمريكي قوي يجعله شبه محصن من أي ضغوط داخلية.

يرى كثيرون أن الولايات المتحدة لا تكترث كثيرًا بالشأن الليبي، خاصة في هذا التوقيت الذي تخوض فيه صراعات كبرى على مستوى العالم. كل ما يهمها حاليًا هو الأموال التي تتحرك شرقًا وغربًا بشكل عشوائي وغير مضبوط. لا يعنيها حجم الفساد الذي تعانيه ليبيا، ولن تشعر بمعاناة الشعب أكثر من الشعب نفسه ! ، لكنها تراقب عن كثب: “أين ذهبت الأموال؟ ولمن؟” 

هذا كله قد يحدث… أو لا يحدث. لكن رواية حدوثه قابلة للتطبيق، وتدعمها مؤشرات واقعية، والخاسر الأكبر، إن تحققت هذه السردية، هم الليبيون أنفسهم.

فإذا توافق الدبيبة وحماد على تشكيل حكومة واحدة، فإننا نكون أمام حكومة “فساد برو ماكس”، وما كان يحدث في الخفاء سيصبح علنيًا ومفضوحًا، حكومة بلا أي إطار شرعي، لا تستند إلى إرادة الشعب، وشعب نائم، وأموال سائبة، والنتيجة؟ ليبيا على الأرض، من غير بلكات!

أما إذا تحققت سردية توحيد المؤسسة العسكرية كما يُطرح، فلن تحتاجوا لشخص مثلي ليخبركم بما سيحدث عندما يتولى العسكريون السلطة في منطقتنا – وليبيا تحديدًا. فتاريخنا، القريب والبعيد، مليء بالشواهد والصور الكارثية.

وباعتبارنا من المغرضين الحالمين بدولة يحكمها القانون وتستند في شرعية حكامها إلى إرادة شعبها، فإننا نُدرك جيدًا أن هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق. وإن تحقق، فكل من يحترم نفسه على هذه الأرض سيلجأ لتطبيق مقولة وزير الغفلة: “اللي مش عاجبه… يرحل!” لأننا سنكون رسميًا في قلب “زريبتهم المستدامة”